منظمات نسوية تطرح مشروع قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة بمصر
منظمات نسوية تطرح مشروع قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة بمصر
شهدت مصر في الأشهر الأخيرة تصاعدًا لافتًا في التحركات التي تقودها منظمات نسوية وحقوقية، بهدف دفع الدولة المصرية إلى إقرار قانون موحد وشامل لمناهضة العنف ضد المرأة، وسط تزايد مقلق في معدلات الجرائم والانتهاكات بحق النساء، وغياب مظلة تشريعية تعالج الظاهرة من جذورها.
واقتصر الإطار القانوني الحالي على مجموعة قوانين متفرقة تُغلّظ العقوبات دون أن تضع معالجات جذرية أو منظومة حماية متكاملة، بحسب ما أكدته مؤسسات حقوقية عدة، بحسب ما ذكرت صحيفة "دويتش فيله" الألمانية، اليوم الثلاثاء.
وتعاونت خمس مؤسسات بارزة في إعداد مشروع القانون الجديد، وهي: مؤسسة قضايا المرأة، ومؤسسة تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، ومؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، ومبادرة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب.
وجرى تحديث المسودة في العام الجاري 2025 بما يتلاءم مع المستجدات القانونية والاجتماعية، بعدما طُرحت أول نسخة للمشروع في 2017، وتم تقديمها لاحقًا عبر النائبتين نادية هنري (2018) ونشوى الديب (2022)، دون أن تُدرج على جدول المناقشة البرلمانية.
مقاربة متعددة الأبعاد
اعتمد المشروع الحالي على معالجة متكاملة للعنف، تشمل الأبعاد القانونية والنفسية والاجتماعية، مع مقترحات لإعادة دمج الجناة والضحايا في المجتمع.
وقالت نورا محمد، مديرة برنامج مناهضة العنف في مؤسسة قضايا المرأة، إن المسودة قسمت أشكال العنف إلى أبواب تشمل العنف الأسري، والرقمي، والعنف في المجال العام، وأُضيف باب خاص بالحماية والوقاية، مع توصيات بتأسيس صندوق خاص لجبر ضرر الضحايا، وإنشاء وحدات شرطية تضم أخصائيين نفسيين واجتماعيين.
وأوضحت أن الثقافة السائدة في المجتمع باتت "مؤيدة ضمنيًا" للعنف ضد النساء، معتبرة أن غياب الوعي وارتفاع معدلات التبرير المجتمعي للجناة يضع المشروع في توقيت حرج يتطلب تحركًا سريعًا من البرلمان.
من جهتها، أكدت النائبة نشوى الديب، التي سبق أن تبنت المشروع، أنها نجحت في جمع توقيعات 60 نائبًا لدعمه، لكنها اصطدمت بتزاحم أجندة التشريعات داخل البرلمان، مشددة على التزامها بإعادة طرحه من جديد خلال الدورة الحالية.
تراجع في آليات الحماية
كشف تقرير صادر عن مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة لعام 2023، عن تسجيل 1195 جريمة عنف ضد الفتيات، بينها 363 جريمة قتل، منها 261 بسبب العنف الأسري، فيما تشير تقديرات أخرى إلى أن نحو 8 ملايين امرأة وفتاة يتعرضن سنويًا لأشكال مختلفة من العنف.
ورَوَت آلاء عامر (اسم مستعار)، وهي ثلاثينية، تجربتها القاسية مع العنف، حيث تعرّضت للتهديد بالقتل من زوجها بدافع الغيرة.
وقالت آلاء: "لم أكن أتخيل أن تُرفع السكين في وجهي، ما زلت أعيش مرارة تلك اللحظة رغم الطلاق، لا أفكر في الزواج مجددًا، فالجُرح لم يلتئم بعد".
رؤية منظمات نسوية
أوضحت منى عزت، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة "النون" لرعاية الأسرة، أن القانون الموحد إذا أُقر، سيُلزم الدولة بتطبيق مخرجاته، مشيرة إلى أن جزءًا من التأخير يعود إلى "الفجوة في الرؤية" بين المنظمات النسوية والدولة، لا سيما أن هذه المنظمات تدعو إلى معالجة جذرية تشمل تغيير الثقافة المجتمعية، بينما تركّز الدولة على تغليظ العقوبات فقط.
ورأت أن مشروع القانون يتجاوز العقوبات ليشمل التأهيل النفسي للضحايا، وإعادة دمجهم مجتمعيًا، مع توفير خدمات حقيقية داخل أقسام الشرطة، تضمن أن تُعامل بلاغات النساء بجدية بعيدًا عن النظر إليها كـ"نزاعات أسرية".
وأشارت إلى أن حادثة قتل الطالبة نيرة أشرف، رغم تغليظ العقوبة وإعدام الجاني، لم تمنع تكرار الحادثة مع فتيات أخريات، ما يعكس الحاجة لقانون قائم على الوقاية والدعم، وليس الردع وحده.
العنف.. بحاجة لتشريعات حاسمة
سلطت الدكتورة منى أبو طيره، أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس، الضوء على العنف النفسي الذي يعاني من تجاهل واسع، مشيرة إلى أن نساءً كثيرات يتعرضن لإقصاء اجتماعي من خلال التلاعب بحقوقهن القانونية، كالميراث، أو حجزهن في المصحات النفسية بادعاءات كاذبة من الأزواج.
وأكدت أهمية رفع الوعي المجتمعي، وتنظيم ندوات وفعاليات عبر وسائل الإعلام، وتدريب الشرطة على التعامل الجاد مع شكاوى العنف النفسي، ومحاسبة المعتدين، قائلة: "نحن بحاجة إلى تحوّل جذري في الوعي لا يقل عن التحوّل القانوني".
ورغم الاعتراف الرسمي بوجود تحسن نسبي في تعامل مؤسسات الدولة مع ظاهرة العنف ضد المرأة، من حيث الخطاب وتعديل بعض القوانين، إلا أن الواقع ما زال يُظهر فجوة واضحة بين الحاجة المجتمعية وحجم الاستجابة السياسية.
بنود مثيرة للجدل
ويحذر مراقبون من أن مشروع القانون، حال طرحه، قد يواجه معارضة في البرلمان أو الشارع، بسبب بنود مثيرة للجدل كتجريم الاغتصاب الزوجي، أو فرض تأهيل إجباري للجناة، أو إلزام الدولة بتمويل صندوق لدعم الضحايا.
ويرى المدافعون عن المشروع أن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في إقراره، بل في كسب معركة الوعي المجتمعي، ونزع الشرعية عن ثقافة العنف، وتفكيك الخطاب الذي يُبرر الاعتداء تحت غطاء "العادات" أو "السلطة الأسرية".
فالقانون، في نظرهم، ليس مجرد نصوص، بل بوابة نحو تغيير ثقافي طال انتظاره في مجتمع ما يزال يُبرّر العنف، ويُعاقب الضحايا بالصمت.